کتاب: عثمان بن عفّان

و اعطف على کتاب عثمان بن عفّان للمدرّس فی کلّیة اللغة العربیّة بمصر الأستاذ صادق إبراهیم عرجون نظرة ممعنة حیث یقول فی فاتحته: فهذا طراز من البحث فی سیرة ثالث الراشدین عثمان رضى الله عنه، صوّرت به حیاته صورة لا أعیذها من

الغدیر فى الکتاب و السنه و الادب، ج‏9، ص: 347

إجمال غیر مجحف بحقّ، و لا أعضها عن تفصیل یظهر حجّة أو یدفع شبهة.

و قد احتفلت فیه بتحقیق ما احتفّ بهذه السیرة الأسیفة من عوامل اجتماعیّة و سیاسیّة، دفعت المجتمع الإسلامی دفعاً عاصفاً إلى أخطر انقلاب عرفه التاریخ فی الإسلام.

و سیرة عثمان رضى الله عنه حریّة بالبحث الممحّص الهادئ، لیکشف منها ما سترته الأقاصیص العابثة من فضائل، و ما شوّهته الروایات الغالطة من محاسن، و یصحّح ما غالطت فیه من حقائق، و یزیّف ما بهرجه المتقوّلون من أکاذیب مزوّرة و حکایات باطلة.

و قد حاولت جهدی أن أتتبّع الخطوط الأصیلة فی حیاة عثمان رضى الله عنه، فلاءمت بینها حتى ارتسمت منها هذه الصورة التی أرجو أن تکون لبنة بین لبنات متساندة فی دراسة حیاة رجالات الإسلام، و سیر أبطاله الغرّ المیامین، تبصرة و ذکرى للمؤمنین. و اللَّه ولیّ التوفیق. انتهى.

ثمّ ألق نظرة أخرى على مواضیع کتابه تجدها غیر منطبقة على ما تقوّل فی شی‏ء منها، و إنّما هی نعرات طائفیّة ممقوتة، و فضائل مفتعلة دسّتها ید الغلو فیها، و سفاسف موضوعة حبّذت الشهوات اختلاقها. کلّل أساطیر السلف بزخرف القول، و زخرف أباطیل الأوّلین بالبیان المزوّر، لم نجد له فحصاً عن حال الأسانید، و تهافت المتون، و فقه الحدیث، و طرق مواضیع مهمّة من فقه عثمان و أغالیطه و أحداثه و هو یروقه التفصّی عنها، فلم یتفصّ إلّا بالتافهات لا سیّما فی المسائل الفقهیّة التی هو بمجنب عنها، فنحت لها أعذاراً باردة، أو أنّها أعظم من تلکم المآثم، فلنمرّ علیها کراماً.

و ما ظنّک بکتاب یکون من مصادره کتاب فجر الإسلام لأحمد أمین ذلک المتحذلق المختلق، و کتاب الخضری ذلک الأمویّ المباهت، و محاضرات کرد علی

الغدیر فى الکتاب و السنه و الادب، ج‏9، ص: 348

العثمانی الشامی المناوئ لأهل بیت الوحی، و أمثال هذه من کتب السلف و الخلف ممّا لا یعرّج علیه؟ و فیه الخلط و الخبط، و ضوضاء الدجّالین، و لغط المستأجرین.

و من أعجب ما رأیت قوله فی (ص 41) من الکتاب تحت عنوان: الکذب على رسول اللَّه: و فی هذه المرحلة من تاریخ الإسلام بُدئت أکاذیب الفرق و الأحزاب فیما یکید به بعضها لبعض، حتى أخذت تلک الأکاذیب صورة الحجاج بأحادیث یتقوّلها زعماء الفرق و رؤساء الأحزاب على سیّدنا رسول اللَّه صلى الله علیه و آله و سلم، و قد کثر من هذه الأکاذیب ما زعموه کان فی حقّ الأئمّة و الخلفاء، و قالت کلّ شیعة فیمن شایعته و فی منافسیه عندها ما شاء لها الهوى، و تجاذب هذا النوع طرفی الإفراط و التفریط مدحاً و ذمّا، و اختلاقاً و تقوّلا، حتى غشّى سیر هؤلاء الأجلّاء بغشاء من الغموض حجب الحقائق عن کثیر من الناظرین.

و لیس بأقلّ خطراً من ذلک ما اقترفوه فی جنب القرآن الکریم من تأویلات محرّفة لآیات اللَّه تعالى عن مواضعها، و من هنا و هناک تألّفت سلسلة الموضوعات و الخرافات و الأساطیر التی ابتلی بها المسلمون، و انتشرت بینهم التلبیسات الملتویة و الشُّبَه الغامضة، فشوّهت جمال الشریعة المطهّرة، و حُشی بها کثیر من کتب المؤلّفین المتقدّمین و المتأخرین، حتى أصبحت وبالًا على الدین، و شرّا على المسلمین، و حائلًا دون نهضتهم و تقدّمهم، و سلاحاً فی أیدی خصوم الإسلام، و عائقاً عن الوصول إلى کثیر من الحقائق التاریخیّة و العلمیّة و الدینیّة، و لولا توفیق اللَّه تعالى رحمةً بهذه الأمّة، و رعایة لهذا الدین الکریم، لطائفة من أئمّة المسلمین المصطفین الأخیار، انتهضوا لنقد الأسانید و تنقیح الروایات، و بهرجة الزائف منها، و حظر الروایة عن کلّ صاحب بدعة فی الإسلام، لما بقیت للإسلام صورته النیّرة التی جاء بها القرآن الحکیم، و أدّاها رسول اللَّه صلى الله علیه و آله و سلم إلى أصحابه نقیّة صافیة. انتهى.

هذه نفثات الأستاذ الصادق، و هذه حسراته وزفراته المتصاعدة وراء ضیاع التاریخ الإسلامی، وراء طمس الحقائق تحت أطباق الظلمات، وراء تشویه الأساطیر

الغدیر فى الکتاب و السنه و الادب، ج‏9، ص: 349

و المخاریق و الأباطیل جمال الشریعة المطهّرة، و لعمر الحقّ لقد أحسن و أجاد، و الرائد لا یکذب، غیر أنّ المسکین هو من أُسراء تلکم السلاسل المتسلسلة من الموضوعات و الخرافات التی أُبتلی بها المسلمون، و عاقته الأغشیة المدلهمّة عن الوصول إلى الحقائق التاریخیّة و العلمیّة و الدینیّة، و ثبّطته التلبیسات الملتویة عن نیل الصحیح الناصع من التاریخ و الحدیث، فما أصاب من الحقّ نیلًا، و ما أسعفته فکرته هذه على الطامّات و لا قدر شعرة، و ما أوضحت له سبل النجاح، و ما هدته إلى المهیع اللائح، فلیته ثمّ لیته کان یأخذ بأقوال أُولئک الأئمّة المصطفین الأخیار فی نقد الأسانید فی الجرح و التعدیل، و کان یعمل بها و یتّخذها دستوراً لنفسه، مقیاساً فیما سطره من الأکاذیب و الأفائک، و لیته کان یرحم هذه الأُمّة، و یرعى هذا الدین الکریم مثلما هم رحموا و رعوا، و ما زرّف «1» فی تألیفه، و ما أعاد لأساطیر الأوّلین الخلقة جدّتها بعد ألف و ثلاثمائة عامٍ من عمرها.

و هل هو بعد ما وقف على هذا الجزء و وجد کتابه مؤلّفاً من سلسلة بلایا و حلقة أباطیل زیّفها أُولئک الأئمّة الذین هو اصطفاهم و اختارهم و أثنى علیهم یقرع سنّ الندم و یتّبع سنن الحقّ اللاحب؟ أو أنّه یلج فیما سوّد به صحائف کتابه أو صحیفة تاریخه و یتمادى فی عیّه ولیّه؟ و ما التوفیق إلّا باللَّه.